مهنة المستقبل
شريحة جديدة من الوظائف أصبحت موجودة وبقوة خاصة في أوروبا والولايات المتحدة و هي "نقل المعرفة"، والمتابع لهذا القطاع سيجد الكثير من طلبات التوظيف للمتخصصين في نقل وتبادل المعرفة وتحويلها إلى خدمات ذات قيمة اقتصادية ملموسة
مقال رأي بقلم الدكتور علاء جراد، مدير مركز الإمارات للتعلم التنظيمي والخبير في مجال الجودة والتميز، يسلط الضوء على وظائف "نقل المعرفة" باعتبارها مهن المستقبل ومواصفات شاغلي هذه الوظائف وهي معظمها مهارات يكتسبها الإنسان خارج أسوار المؤسسات التعليمية، فيكفي أن يرغب بالتعلم ويكون محباً للمعرفة. نشر هذا المقال على موقع صحيفة الإمارات اليوم في 4 يوليو 2016.
شريحة جديدة من الوظائف أصبحت موجودة وبقوة، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، وهي "نقل المعرفة"، والمتابع لهذا القطاع سيجد الكثير من طلبات التوظيف لمتخصصين في نقل وتبادل المعرفة، مثل "اختصاصي نقل معرفة" (Knowledge Transfer Specialist)، وتنفيذي نقل المعرفة، وكذلك مدير نقل المعرفة، وحتى رئيس تنفيذي لنقل المعرفة. وقد بدأت بعض المعاهد المختصة في تقديم برامج تدريبية متخصصة لتأهيل محترفين في نقل المعرفة، لأن الاستفادة من إدارة المعرفة لا تنحصر فقط في توثيق المعارف الضمنية، بل في الاستفادة الحقيقية من تلك المعارف، وتحويلها إلى منتجات وخدمات ملموسة ذات قيمة اقتصادية.
لقد انتشر هذا التوجه بعد التقدم الذي وصلت إليه هذه الدول في البحث العلمي، فقد كانت في البداية تركز على إجراء البحوث والدراسات، ولكن بسبب ندرة الموارد وكثرة التحديات الاقتصادية في دول العالم أصبح التوجه في البحث هو "البحث ذو الأثر" أو Impactful Research. وأصبح أحد معايير تخصيص مِنَح للبحث هو التأكد من أن هذا البحث سيكون له أثر مباشر، وسيتم فيه نقل وتبادل المعرفة. ومن هنا، ظهرت الحاجة إلى هؤلاء المختصين في نقل المعرفة، وقد قمت بإجراء بحث في مواصفات شاغلي هذه الوظائف من خلال استطلاع 14 وصفاً وظيفياً، فوجدت أن أهم مواصفات شاغلي وظائف نقل المعرفة هي، القدرة على التخطيط، القدرة على التحليل والبحث العلمي، الاطلاع الواسع على المستجدات والاتجاهات الحديثة في العلوم والتكنولوجيا، مهارات التقديم والتسويق، القدرة على بلورة الأفكار وتصميم منتجات وخدمات جديدة، القدرة على التوثيق والتنظيم، القدرة على الشرح وإيصال الأفكار والمعلومات بطريقة سلسة، وأخيراً مهارة التعامل مع البيانات واستيعابها. ومن هنا، يتضح أن معظم هذه المهارات يمكن اكتسابها خارج أسوار المؤسسات التعليمية إذا توافرت لدى الإنسان الرغبة والقدرة على التعلم. ويوجد حالياً في بريطانيا وحدها 12,500 وظيفة في مجال "نقل المعرفة"، ويزداد الطلب على "ناقلي" المعرفة بدرجة كبيرة يوماً بعد يوم.
إن المعرفة تقود إلى الحكمة، وقال المولى عزّ وجل "وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة، 269). إن نقل المعرفة له أدوات واستراتيجيات منها "خرائط المعرفة"، والتدوير الوظيفي، والتوجيه والتدريب التوجيهي، والاستعانة بالمتقاعدين من ذوي الخبرات. لا شك أن النجاح في مجال نقل المعرفة يتطلب الجدية والتطبيق العملي مع الاستمرارية والوصول إلى نتائج ملموسة، ففي بعض المؤسسات تبدأ المبادرات بحماس، ولكنه لا يدوم سوى شهور قليلة تموت بعدها المبادرة، ثم تبدأ مبادرة أخرى وتتكرر القصة، وتُهدر الموارد وكذلك المعارف المكتسبة.