كيف نروّض "زحف الأتمتة"؟
يقدّم العشرات من الموّردين أنظمة تهدف إلى أتمتة مختلف المهمات وأساليب العمل، فيما طورت شركات لا حصر لها أدواتها المحلية الخاصة
يتمثّل أحد التوجهات غير المعلنة عموماً في شركات تكنولوجيا المعلومات في انتشار أدوات الأتمتة. حيث يقدّم العشرات من الموّردين أنظمة تهدف إلى أتمتة مختلف المهمات وأساليب العمل، فيما طورت شركات لا حصر لها أدواتها المحلية الخاصة. وبدأ العديد من هذه الأدوات بالتداخل والانتشار بمرور الوقت. وددت لو كنت أنا من ابتكر مصطلح "زحف الأتمتة"، ولكنّ الفضل في ابتكار هذا المصطلح يعود إلى فينس ديماسيو، الرئيس التنفيذي للمعلومات والتكنولوجيا في شركة بال، وهي شركة تُعنى بقوانين الهجرة ومقرها مدينة سان فرانسيسكو. كما أنه كان أحد المشاركين في الجلسة التي نظّمتُها مؤخراً حول "مستقبل أتمتة العمليات" في ندوة خاصة بالرؤساء التنفيذيين للمعلومات في كلية سلون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2019. ومن الواضح أن أحد جوانب هذا المستقبل هو المزيد من الزحف والتمدد.
وقبل أن أخوض في الحديث عن أفضل طريقة للاستجابة لهذا الزحف، من المفيد التحدث عن خلفية صغيرة حول كيفية تطور أدوات الأتمتة. من المعروف أن مصطلح "الأتمتة" هو مصطلح قديم استُخدم لوصف كل أنواع أنظمة الكمبيوتر بشكل افتراضي، بدءاً من سجلات الحسابات العامة إلى تصنيع الروبوتات. وقد ركّزت الأتمتة في الآونة الأخيرة على القدرات المتعلقة بتسلسل سير العمل، بما فيها قوانين الشركات. حيث وُجّهت بعض أدوات الأتمتة إلى تأدية وظائف تنظيمية محددة، وقُصِد ببعضها أن تكون منصات معممة، بينما انطوت وظيفة بعضها الآخر على تأدية مشروعات متوسطة الحجم. وتَمثّل أول تطبيق واسع النطاق لأدوات الأتمتة في تأدية وظائف ضمن قطاع تكنولوجيا المعلومات، بينما تَرسخ استخدام أدوات الأتمتة اليوم في تأدية مهمات مثل إدارة الشبكات ووخدمات الإمداد وإدارة المكونات الحاسوبية. وكانت أتمتة التسويق هي الاستخدام الآخر المبكّر نسبياً في هذا المجال.
وقد عملت بعض الشركات المتخصصة في أتمتة قطاع تكنولوجيا المعلومات، مثل شركة سيرفس ناو (ServiceNow)، على توسيع نطاق عملها وابتكار منتجات من أجل تأدية مهمات أخرى، مثل إعداد الموظفين الجدد في قسم الموارد البشرية. وقد كانت شركة آي بي سوفت (IPsoft) في البداية شركة متخصصة في أتمتة أدوات تكنولوجيا المعلومات، بينما تمتلك اليوم منتجاً يُدعى "أميليا" (Amelia) الذي يهدف إلى أتمتة تفاعلات المحادثة مع الزبائن والموظفين. وقد طوّرت شركة آي بي سوفت أيضاً أداة جديدة تدعى "وان ديسك" (1Desk) تعمل على "أتمتة الأتمتة"، بمعنى أنها تعمل على تتبع برامج الأتمتة من العديد من الموردين وتراقب أداءها.
وقد كان تركيز أدوات الأتمتة منصباً في مرحلة ما على أتمتة إجراءات سير العمل المنظمة والقابلة للتنبؤ في نطاق معين، ومن ذلك -على سبيل المثال - قطاع تكنولوجيا المعلومات أو التسويق. ولكن، أصبحت إحدى أدوات الأتمتة التي تُدعى أتمتة العمليات الروبوتية أداة عامة لتنفيذ مهام سير الأعمال المنظمة، وخصوصاً بالنسبة إلى العمليات التي تتضمن بيانات من أنظمة معلومات متعددة.
ويتمثّل أحد الدلائل على الزحف المتزايد للأتمتة في قيام أداة أتمتة العمليات الروبوتية والعديد من أدوات الأتمتة الأخرى بمتابعة مهمات اتخاذ القرارات كثيفة البيانات التي تُتّخذ ضمن عمليات سير الأعمال المنظمة هذه. فإمّا أن تقوم هذه الأدوات بإضافة إمكانيات تعلم الآلة أو أن تسهّل على الزبائن توظيف موردين آخرين لهذا الغرض. على سبيل المثال، أجرت شركة يو آي باث (UIPath) المتخصصة في أتمتة العمليات الروبوتية شراكة مع مورد لأداة "داتا روبوت" (DataRobot) لتعلم الآلة المؤتمت. وقد صمّمت شركة سيرفس ناو برامجها الخاصة لتعلم الآلة بهدف تقديم توصيات لمستخدمي تكنولوجيا المعلومات وإعداد موظفيها الجدد. ومن الواضح قيام جميع الشركات بالتعدي على مجالات بعضها الآخر وإضافة وظائف جديدة بسرعة، وهو ما يمثّل التعريف الكلاسيكي للزحف.
لكن ما الذي يجب علينا فعله حيال ذلك؟ تتمثل إحدى الإجابات في البحث عن أدوات الأتمتة المعممة التي يمكن أن تؤدي مجموعة متعددة من أنواع المهمات. وهو ما يقود العديد من الشركات إلى توظيف أدوات أتمتة العلميات الروبوتية على نحو متزايد، جنباً إلى جنب مع أدوات تعلم الآلة في بعض الأحيان. أتوقع في النهاية أنّ السمات الشائعة لأدوات أتمتة العمليات الروبوتية، مثل الواجهات البينية الرسومية سهلة الاستخدام والمحركات المدمجة للقواعد، سوف تميّز أنواعاً أخرى من الأتمتة أيضاً.
وقد حاول كريس بيدي، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة سيرفس ناو التي تُعتبر مورد برامج الأتمتة بحد ذاتها، وضع عدد صغير من منصات الأتمتة قيد التطبيق لتغطية حالات الاستخدام المختلفة. ويستخدم بيدي تكنولوجيا شركته الخاصة بالنسبة إلى أدوات الأتمتة التي يتفاعل معها الموظفون. وهو يسعى أيضاً إلى إنشاء منصة أتمتة يستخدمها الزبائن بشكل واسع، إلا أنه لم يجد منصة مناسبة بعد. كما أنه يستخدم منصة للتنقيب في العمليات بهدف فهم تدفقات سير العمليات ومراقبتها، إضافة إلى أنه يطبّق أدوات أتمتة العمليات الروبوتية لنقل البيانات بسهولة عبر المنصات دون الحاجة إلى دمجها بالكامل.
وتتمثّل الطريقة أخرى لإدارة الزحف في إنشاء نظام تصنيف لأنواع الأتمتة المختلفة، ومعرفة كيفية استخدام كل نوع من هذه الأنواع. ومن أمثلة ذلك أنّ إحدى شركات المنتجات الاستهلاكية العالمية التي أعمل معها أنشأت نظاماً لتصنيف الأتمتة يتضمن التعرف على المحتوى وصناعة القرار وأتمتة المهمات ومراقبة العمليات، ومجموعة من التقنيات التي تهدف إلى دعم كل فئة من فئات الأتمتة، بما في ذلك أدوات أتمتة العمليات الروبوتية وبرامج التعرف على الصور و الذكاء الاصطناعي.
وقد اتخذت تلك الشركة نفسها، وشركة أخرى كبيرة متخصصة في صناعة الفضاء الجوي قمت بالبحث عنها، خطوة إضافية أخرى لإدارة زحف الأتمتة، تمثّلت في إنشاء وحدات تنظيمية. إذ طوّرت شركة المنتجات الاستهلاكية مركزاً للتميّز يُعنى بمجال "الأتمتة الذكية" تقوده مجموعة صغيرة من الموظفين. بينما كان لدى الشركة المتخصصة في الفضاء الجوي مجموعة "تحويل العمليات" التي بدأت من خلال اتباع نهج أتمتة تكنولوجيا المعلومات لتنتقل اليوم إلى أتمتة الوظائف مثل الموارد البشرية. كما تمتلك شركة التكنولوجيا الطبية بيتكون ديكينسون (BD) أيضاً مركزاً للتميّز يُعنى بالأتمتة. وفي حين أن كل مؤسسة من هذه المؤسسات منظمة بشكل مختلف إلى حدّ ما، يتمثّل القاسم المشترك الذي تعمل وحداتها على إنجازه في مساعدة وحدات الأعمال والمهمات الوظيفية داخل هذه المؤسسات على معرفة أنواع أدوات الأتمتة التي تناسب احتياجاتها.
وفي النهاية، من المهم عند إدارة الزحف إعلام الموظفين بالخطة التكنولوجية. إذ تُثير الأتمتة الذكية مخاوف واضحة حول مستقبل العمالة البشرية. ولم تقم أيٌّ من الشركات التي أجريت مقابلات شخصية مع قادتها بخفض أعداد الموظفين إلى حد كبير حتى الآن، ولم تفصح أيٌّ منها عن نيتها حول اتخاذ خطوة كهذه. ومع ذلك، أجرت شركة ديلويت (Deloitte) في عام 2018 استبانة ساعدتُ في تصميمها وتحليل بيناتها، وأظهرت الاستبانة رغبة 63% من المدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة في "خفض التكاليف عن طريق أتمتة أكبر عدد ممكن من الوظائف". وأشار العديد من المشاركين في الاستبانة نفسها إلى تفضيلهم توظيف عمال جدد بدلاً من إعادة تدريب العاملين الحاليين. ويوجد بعض الاستثناءات بالطبع. على سبيل المثال، أعلنت شركة أمازون مؤخراً أنها ستنفق 700 مليون دولار على إعادة تدريب 100,000 موظف على أداء وظائف جديدة ظهرت بفضل الذكاء الاصطناعي والروبوتات. وعلى نطاق أصغر، أعلنت شركة أول ستيت (Allstate) مؤخراً أنها ستخصص 40 مليون دولار من نسبة اقتطاعات الضرائب المفروضة على شركاتها في عام 2018 لتدريب العمال على استخدام التقنيات القائمة على الأتمتة.
ولكن سيتوجب على مزيد من الشركات اتّباع نهج شركتي أمازون وأول ستيت لتفادي الاستغناء المتزايد عن الوظائف بسبب الأتمتة الذكية. وسيترتب على الشركات في الواقع مساعدة الموظفين في تطبيق تقنيات الأتمتة، ولا ترتبط مهمتها هذه بكونها شركات جيدة. إذ ستعمل أدوات الأتمتة في معظم الحالات على تأدية مهمات منفصلة وليس وظائف أو أساليب أعمال كاملة. وسيحتاج العاملون البشريون إلى المساعدة في تبني تقنيات الأتمتة هذه ومراقبتها وتحسينها. بيد أنه من الممكن أن يبدي هؤلاء العاملون عدم رغبتهم في التعاون في حال شعروا أنهم عرضة لعمليات التسريح التي تثيرها تقنيات الأتمتة.
ومن المؤكد أن تستمر تقنيات الأتمتة في الزحف والانتشار، إذ إنها توفر إمكانيات مثيرة للمؤسسات تهدف إلى من الحد من جهد العاملين البشر وتحسين إنتاجية المؤسسة. ولذلك، حان الوقت كي تقوم الشركات بإعداد القدرات وهيئات التنسيق والسياسات اللازمة للتعامل مع هذه التقنيات، وتسخير زحف الأتمتة لمصلحتها.
نشر هذا المقال بقلم توماس دافنبورت عام 2019 على موقع "هارفارد بزنس ريفيو العربية".