دبي تراهن على الذكاء الاصطناعي لبناء مدينة المستقبل
أطلقت حكومة دولة الإمارات في أكتوبر 2017 استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي في خطوة تعتبر الأولى من نوعها في العالم. من هنا، تعمل حكومة دبي على تطبيق الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية ثورية يُتوقع أن يكون لها تأثير على جميع نواحي حياتنا في المستقبل
خارطة الذكاء الاصطناعي في دبي
في مارس/ آذار من عام 2017، أعلن مكتب دبي الذكية عن خارطة طريق للذكاء الاصطناعي في محاولة لتعزيز الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي. تأتي خارطة الطريق الجديدة بعد إطلاق خدمة "راشد" من قِبل مؤسسة حكومة دبي الذكية، الذراع التقني لمكتب دبي الذكية، ودائرة التنمية الاقتصادية بالتعاون مع شركة "آي بي إم"، عملاق التكنولوجيا الأميركية.
إن "راشد" هي أول خدمة حكومية في دبي تستخدم الذكاء الاصطناعي. أُطلقت في أكتوبر من عام 2016 اعتماداً على إمكانات الحوسبة الإدراكية، التي يشتهر بها نظام واتسون في شركة آي بي إم، وهي تهدف إلى توفير الإرشاد لرواد الأعمال والمستثمرين حول كيفية تأسيس عمل جديد في المدينة. يتيح "راشد" لرواد الأعمال توجيه أسئلة ذات صلة بالموضوع، والحصول على إجابات آنية عن مواضيع متنوعة، مثل ترخيص الأعمال، وخطوات التسجيل، وغيرها من الإجراءات المماثلة الضرورية لمن يفكر في تأسيس شركة ناشئة. بإمكان خدمة الذكاء الاصطناعي هذه فهم اللغة البشرية، والتعلم من التفاعل مع الأفراد، وتوفير إجابات مناسبة من شأنها مساعدة المستخدمين على اتخاذ القرار الصحيح في مختلف الظروف.
ولتوسيع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي على المستويين الحكومي والمؤسساتي، أطلق مكتب دبي الذكية عبر مؤسسة حكومة دبي الذكية خارطة طريق الذكاء الاصطناعي في دبي. تهدف المبادرة، إلى جانب مجموعة أخرى من التقنيات المبتكرة التي تم إطلاقها، إلى تحقيق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في جعل دبي أسعد مدينة على وجه الأرض.
بحسب خارطة الطريق، سوف تدير مؤسسة حكومة دبي الذكية "مستوى" من الذكاء الاصطناعي، وتدعم تبنّي الذكاء الاصطناعي في القطاعين الحكومي والخاص. وستعمل مع "آي بي إم" لتهيئة دبي لمستقبل الذكاء الاصطناعي.
كما سيتم إنشاء مختبر جديد للذكاء الاصطناعي. سيدعم هذا المختبر تبنّي خارطة طريق الذكاء الاصطناعي من خلال استضافة ورشات عمل، وتوفير الدعم، وتدريب الطلاب المواطنين وموظفي الحكومة والقطاع الخاص. كما سيسرّع تطبيق الذكاء الاصطناعي في معظم القطاعات.
مساهمة "آي بي إم" في تبني دبي للذكاء الاصطناعي
كما ذُكر آنفاً، ستلعب "آي بي إم" دوراً جوهرياً في تطبيق دبي للذكاء الاصطناعي، حيث سيوفر "واتسون" من "آي بي إم" التقنية والتطبيقات اللازمة للجانب التقني من خارطة طريق الذكاء الاصطناعي.
لكن الأمر لن يقتصر على الهيئات الحكومية؛ فالقطاع الخاص سيستفيد أيضاً من حلول الذكاء الاصطناعي.
يعتبر "واتسون"، منصة الذكاء الاصطناعي التي تشغلها شركة التكنولوجيا "آي بي إم"، أحد خدمات الذكاء الاصطناعي الرائدة التي تسمح لأي هيئة بأن تبني حلول ذكاء اصطناعي بناءً عليه.
يمكن تطبيق حلول "واتسون" في صناعات متعددة، مثل المالية، والرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، والطاقة. ولدى المنصة فهم عميق لكل قطاع بما يجعلها قادرة على مساعدة عملائها على اتخاذ قرارات أفضل.
ومن شأن تطبيق منصة الذكاء الاصطناعي مساعدة هيئات حكومة دبي وشركات القطاع الخاص على أن تصبح أكثر تركيزاً على البيانات، بفضل ما يتمتع به "واتسون" من إمكانية لاستيعاب وإثراء وتطبيع مجموعة واسعة من البيانات.
والجدير بالذكر أن تعاون "آي بي إم" مع حكومة دبي الذكية تجاوز سياق الذكاء الاصطناعي. فقد سبق أن تعاونت المؤسستين لإطلاق 20 تطبيق للبلوك تشين في العديد من الهيئات المدنية، مثل هيئة الطرق والمواصلات، ودبي للسياحة، وهيئة الصحة بدبي، وشرطة دبي.
استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي لعام 2031
سوف تساعد مبادرة مكتب دبي الذكية لتمكين الذكاء الاصطناعي في دبي على تحديث عمليات معينة في قطاعات مختلفة. لكن المدينة لن تكون حالة استثنائية، لأن هناك برنامجاً لتبني التقنية على مستوى الدولة.
في أكتوبر 2017، أطلقت حكومة دولة الإمارات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وهي مشروع طويل الأمد لتطبيق التقنية الناشئة في قطاعات مختلفة، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها في العالم. وتملك استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي لعام 2031 أهداف عديدة:
1. تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071
2. المساعدة في جعل دولة الإمارات البلد الأكثر نشاطاً من ناحية استثمارات الذكاء الاصطناعي
3. تحسين جميع نواحي أداء الحكومة
4. تمكين نظام ذكي متكامل بإمكانه أن يتعامل مع أي تحديات، وينتج حلولاً سريعة
5. خلق نظام بيئي جديد يتمحور حول الذكاء الاصطناعي
أطلق هذه الاستراتيجية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو في الحقيقة الشخصية المحورية التي تدعم استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 وخارطة طريق دبي للذكاء الاصطناعي معاً. وبناءً عليه، فإن دبي تؤدي دوراً قيادياً في تبنّي الذكاء الاصطناعي على المستوى الاتحادي.
وتأمل دولة الإمارات العربية المتحدة أن تخفّض النفقات الحكومية إلى النصف باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما يُنتظَر من الاستراتيجية أن تُرقمن 350 مليون معاملة ورقية حالية كل عام. وهناك اليوم 190 مليون ساعة عمل سنوياً تضيع بسبب المعاملات و1,000 مليون كيلومتر تُقطع لتسويتها. وبإمكان الذكاء الاصطناعي تبسيط الإجراءات وتقليل الأخطاء البشرية.
سيكون كذلك لتقنية الذكاء الاصطناعي تأثير هائل على اقتصاد دولة الإمارات، حيث ستؤدي إلى زيادة بنسبة 35% في ناتجها المحلي الإجمالي، كما بوسعها أيضاً أن تضمن مناعة بنسبة 90% في وجه أي أزمة مالية. وتستهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي القطاعات التالية:
تأثير الذكاء الاصطناعي على الهيئات الحكومية
من المتوقع أن يكون لتقنية الذكاء الاصطناعي تأثير مباشر على طريقة عمل الهيئات الحكومية، نظراً لقدراتها على تحسين الاتصال، وتسريع الإجراءات، وتقليل الخطأ البشري.
لقد استطاع الذكاء الاصطناعي في الواقع أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من حكومة الإمارات بالمعنى الحرفي. ففي أكتوبر عام 2017، عينت الحكومة الاتحادية عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي كي يكون للتقنية ممثل رسمي في الحكومة.
في دبي، ستساعد تقنية الذكاء الاصطناعي الهيئات الحكومية على أن تكون قريبة من المواطنين والسياح من خلال تلبية احتياجاتهم المحددة. مثلاً، يستطيع "راشد" من الآن تسخير كمٍ ضخم من البيانات ومساعدة المستخدمين على اتخاذ القرارات الصحيحة. كما ستستخدم الهيئات الحكومية أيضاً التقنية كي تتفاعل بشكلٍ أفضل فيما بينها، عبر تقليل الأخطاء البشرية.
ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمهام عديدة، من خلال آلات وأجهزة مادية. في مايو عام 2017، شهدت شرطة دبي إطلاق أول رجل شرطة آلي في العالم. يقوم الرجل الآلي حالياً بدوريات في المراكز التجارية والمواقع السياحية في دبي، حيث يستطيع الناس استخدامه لدفع المخالفات، والإبلاغ عن الجرائم، والوصول إلى معلومات معينة من خلال التصفح عبر شاشة لمس على صدره. بينما ستوجه البيانات التي يتم جمعها إلى هيئات النقل والمرور.
وكانت حكومة دبي قد أعلنت عن أنها تخطط لأن يشكّل الرجال الآليون نسبة 25% من قوة الشرطة في دبي بحلول عام 2019. يتضمن هذا المشروع عشرات آلاف كاميرات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي للتعرف على الأخطار المحتملة.
500 إماراتي يحضرون دورات في الذكاء الاصطناعي
في يناير عام 2018، أُعلن عن أن أكثر من 500 رجل وامرأة من الإماراتيين سيحصلون على تدريب في مجال الذكاء الاصطناعي. وتأمل حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة أن يزيد هذا التدريب من الوعي، ويدعم خبراء الذكاء الاصطناعي المحتملين بشكلٍ يؤدي إلى دفع عجلة التقنية. سوف يكون هؤلاء الطلاب الـ 500 أول أشخاص يتم تدريبهم في شؤون الذكاء الاصطناعي، وهي خطوة تأتي ضمن اتفاقية بين شركة "أوراكل" وكليات التقنية العليا، هدفها الأساسي تهيئة الجيل الشاب في دولة الإمارات لوظائف المستقبل المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. كما تُجري شركة التكنولوجيا الأميركية "أوراكل" محادثات مع الجامعة من أجل إيجاد طرق لإطلاق درجات جامعية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
كان تقرير أجرته الأمم المتحدة في عام 2017 قد وجد أن نحو 65% من طلاب المدارس الابتدائية الحالية سيعملون في وظائف لا وجود لها حالياً. يؤكد هذا على أهمية تعريف الجيل الشاب على التوجهات المستقبلية، بحيث يسهل عليه تبني التقنيات المبتكرة.
إضفاء الطابع الديمقراطي على الذكاء الاصطناعي
إن دمقرطة الذكاء الاصطناعي عملية لا غنى عنها، وستأتي بالفائدة على الجميع في نهاية المطاف. ونعني بالدمقرطة التطويرات والتدابير المتخذة لجعل الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع.
إن إضفاء الطابع الديمقراطي على الذكاء الاصطناعي سيكون له فوائد عظيمة، لأن هذه التقنية سوف تكون بين أيدي عامة الناس. ومن الواضح حالياً أن القسم الأعظم من بحوث وتطوير الذكاء الاصطناعي تحتكره شركات تقنية، ولا ضير في هذا على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولى، وقلة من الأشخاص باستطاعتهم التعامل مع تقنيات متطورة كهذه. على أية حال، سوف يكون على عامة الناس في العالم أن يتولوا ولو جزءاً بسيطاً من السيطرة على أبحاث الذكاء الاصطناعي وطرق تطويره.
وقد خلصت دراسة لمؤسسة "برايس وتر هاووس كوبرز" ركزت على الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يستولي على أكثر من 40% من الوظائف بحلول عام 2030، وهو ما قد يتسبب بزعزعة سوق العمل. وهنا تبرز أهمية دمقرطة الذكاء الاصطناعي، فهي ستساعد الناس في العثور على وظائف بشكلٍ أسهل من خلال رفع مستوى مهارات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
على أية حال، هناك تحديات كبرى في وجه عملية إضفاء الديمقراطية على الذكاء الاصطناعي. فالكثير من رؤساء شؤون المعلومات في الشركات يديرون اليوم فِرقاً لا تتمتع إلا بالحد الأدنى من مهارات الذكاء الاصطناعي. كذلك يشتكي الكثير من هؤلاء الرؤساء من البيانات منخفضة الجودة. إضافة إلى ذلك إن الذكاء الاصطناعي لا يزال تقنية حديثة، ولا يزال بعض رؤساء شؤون المعلومات في الشركات يحاول الإحاطة بجميع الحالات الممكنة لاستخدام هذه التقنية.
على الذكاء الاصطناعي أيضاً أن يخضع لعملية توحيد المعايير بحيث يصبح من السهل استضافة منصات تسمح للجميع بابتكار تطبيقات وخدمات قائمة على الذكاء الاصطناعي.
نشر هذا المقال في 29 مايو 2018 على موقع مجلة "بوبيولار ساينس - العلوم للعموم".