بين تجربة المتعاملين ووعد العلامة التجارية
كجزء من استراتيجية عملها، تحتاج الشركات اليوم إلى التركيز على رحلة المتعامل بجميع جوانبها ووعدها التسويقي بهدف كسب رضا المتعاملين والاستحواذ على حصة سوقية كبيرة
بعد مرور قرنين على الثورة الصناعية، أصبحت التغييرات التكنولوجية تهدف دائماً إلى تغيير نهج تقديم الخدمات للمستهلك وطريقة تصميم رحلة المتعاملين. وتضخ بعض الشركات استثمارات ضخمة في محاولة للوصول إلى التجربة المثالية للمتعاملين من خلال تطوير تطبيقات رائعة للهواتف المحمولة بتصميم جذاب وواجهة سهلة الاستخدام. فضلًا عن ذلك، تبذل بعض الشركات جهوداً حثيثة لاستكشاف سبل تطوير وتسريع عملية تسليم منتجاتها بالاستعانة ببعض الخدمات الخارجية مثل استخدام تطبيقي Deliveroo وUber Eats في صناعة الأغذية، بينما تحاول شركات أخرى أن ترفع معايير خدمة المتعاملين عن طريق اختيار أفضل الكوادر للتعامل مع عملائها بهدف تقديم خدمات على أعلى مستوى. ومع ذلك يبقى السؤال الأهم، ما هي أفضل استراتيجية لكسب رضا المتعاملين والاستحواذ على حصة سوقية أكبر؟
يساعد تخطيط الرحلة أو التجربة المستقبلية المثالية للمتعاملين على تحديد جميع نقاط الاتصال بهم عند التعامل مع علامتك التجارية. ويقول كولين شو، مؤسس شركة Beyond Philosophy ورئيسها التنفيذي، في كتابه "ثورة في تجربة المتعاملين"، تمثل تجربة المتعاملين حالة ذهنية محددة يتأثر خلالها المستهلك بالعلامة التجارية أو يرتبط بها. ويمكن تلخيص تجربة المتعاملين المثالية في مجموعة من سبع ركائز، وهي:
- تقديم ميزة تنافسية تستمر على المدى البعيد.
- تحقيق توقعات المتعاملين وتجاوزها (على الصعيدين الشخصي والمادي).
- التركيز على التجربة الشعورية.
- صممتها قيادات لها رؤى ملهمة، ويطبقها موظفون سعداء يحدوهم الشعور بالمسؤولية.
- تجربة تتمحور حول المتعامل وتركز على تفضيلاته لوضع خطتها.
- التركيز على تحقيق الاستفادة المتعاملين وتقليل التكلفة وتساعد الشركات على كفاءة التشغيل.
- تجسيد مفهوم العلامة التجارية.
وعلى الرغم من أهمية التركيز على جميع عناصر تجربة المتعامل، ثمّة أهمية خاصة لتركيز الشركات على وعد العلامة التجارية (Brand Promise).
يُعد وعد العلامة التجارية امتدادًا لمكانة الشركة ووضعها في السوق، وهو يمثل ما يتوقع المتعامل أن يحصل عليه من الشركة، كما يمثل الثمرة والفائدة الملموسة التي تجعل الشركة ومنتجاتها جذابة ومرغوبة.
ويمكن أن يكون الترويج لوعد العلامة التجارية بسيطًا، إذ يركز على جانب واحد وهو، على سبيل المثال، تقديم أفضل تجربة تذوق لنوع من أنواع المأكولات أو المشروبات، وقد يكون مركباً يركز على أكثر من جهة ويعد بتقديم تجربة متكاملة، مثل وعد شركة كوكاكولا بتعزيز "الشعور بانتعاش العقل والنفس والجسد، وإلهام لحظات يملأها التفاؤل والسعادة من خلال علاماتنا التجارية وأنشطتنا؛ وخلق قيمة وإحداث فارق."
ويرتبط إدراك المتعامل للعلامة التجارية بطريقة غير مباشرة بالوعد الذي تقطعه تلك العلامة. لا يمكن لأحد أن ينكر التجربة الاستثنائية التي يخوضها المتعاملون عند زيارة إيكيا، إذ ترتبط هذه التجربة عادة بوعد العلامة التجارية لإيكيا (منتجات عالية الجودة بأسعار منخفضة)، ما يعني أن المتعامل يتوقع تصميماً جيداً وأسعاراً معقولة. قد يكون تثبيت الوحدة التي يبتاعها المتعامل أصعب مما كان يتصور، وقد يقضي ساعة كاملة متنقلاً من قسم إلى آخر في محاولة لشراء أربعة أطباق وكوبين. ومع ذلك، يظل المتعاملون سعداء لأنهم حصلوا على ما وعدتهم به إيكيا.
وفي دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، يقتصر اهتمام مطعم المأكولات البحرية الشهير "بو قطير" في الأساس على تجربة التذوق، ويقطع وعداً ضمنياً بضمان حصول المستهلك على طبق لذيذ من المأكولات البحرية. ومن المثير للتعجب أن المطعم لا يقدم قائمة طعام، فلا يوجد به سوى بضعة أطباق أساسية يمكن للمستهلك أن يختار من بينها. ويقوم المطعم كذلك على نظام الخدمة الذاتية، حيث ينتظر المتعامل لمدة 10 دقائق تقريباً قبل طلب طبقه ثم يدفع الحساب وينتظر 25 دقيقة أخرى للحصول على الوجبة. ومع ذلك، فقد حصل هذا المطعم على تصنيف خمس نجوم على موقع TripAdvisor كأحد المطاعم التي يجب زيارتها في دبي.
وتقدم شركة طيران "رايان إير" مثالاً آخر على وعد تقديم تجربة غير تقليدية للمتعاملين من خلال فرض تسعيرة منفصلة على الخدمات الأساسية مثل الأمتعة، واستخدام بطاقة الائتمان، وتوفير مياه الشرب، كما لا تقدم شركة الطيران أي أكياس للركاب الذين يشعرون بدوار نتيجة السفر، ولا تحتوي طائراتها على بطانيات، كما أن كراسي طياراتها ضيقة للغاية. وعلى الرغم من ذلك، سجلت "رايان إير" أعلى أرباح في أوروبا على مدى سنوات، حيث تحمل أكثر من 131 مليون مسافر سنوياً. وتضرب الشركة هنا مثالاً من أكثر الأمثلة نجاحاً في قطاع الطيران، فنجاحها كله يرتكز إلى وعدها التسويقي؛ وهو توفير أرخص خدمة في مجال شركات طيران، وبالتالي ارتبط تصور المتعاملين بتكلفة الخدمة.
وفي القاهرة، مصر، يضرب "صبحي كابر" مثالاً آخر للتركيز على وعد العلامة التجارية. في هذا المطعم، يتناول الناس وجباتهم في الشارع، ويجلسون على دكك، ويقفون في طوابير لمدة ساعة تقريباً حتى يجدوا مكاناً ليجلسوا فيه. ومع ذلك، فجلّ ما يتذكره المتعاملون ويذكرونه في تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي هو مذاق الطعام اللذيذ.
أما الشركات التي تعمل بدون وعد تسويقي، فتبذل قصارى جهدها في كل نقطة من نقاط التواصل مع المتعاملين، ما يكلفها المزيد من الجهد والتكاليف. فإذا كانت تجربة المتعامل الإجمالية اليوم جيدة، تصبح صورة العلامة التجارية إيجابية، أما إذا واجه المتعامل أي صعوبة في أي نقطة من نقاط الاتصال في أي يوم آخر، تصبح صورة الشركة سلبيّة.
وختاماً يمكننا القول إن الشركات تحتاج إلى التركيز على جميع الجوانب المتعلقة برحلة المتعامل، إلا أنها ترغب كذلك في إيلاء اهتمام خاص لوعدها التسويقي والتركيز عليه بما يحفظ ولاء المتعاملين لعلامتها التجارية، حيث أن هذا الوعد هو ما سيبقى في ذاكرة المتعاملين عند تقييم تجربتهم.